الثلاثاء، 21 أكتوبر 2008

أنا والسيجارة

في رواية العاشق كتب الشهيد غسان كنفاني  ( لا أحد على اية حال ، يعرف كيف ترتب الدنيا نفسها أحياناً يحسب المرء أن قصة ما إنتهت فإذا بها تبدأ . إن مستقبل إنسان كامل تراه فجأة متعلقاً بحادث صغير لا قيمة له ، إن عقدة المسبحة أصغر بكثير من حباتها ولكن إذا انفكت كرت ثلاثة وثلاثين حبة وراءها واحدة أثر الأخرى .) وهكذا كرت ذكرياتي واحدة تلو الأخرى كالسيلان الذي لم استطيع ايقافه الا بقوة اغلاق الحاسوب وتخزين هذا الكلام كمسودة . وأعترف أنني كدت البوح بما لا اقدر الآن على البوح به كل ذلك كان من وراء نفض أحدهم الغبارعن ذاكرتي عن تجربتي اليتمة التي لم أكن أصر على نجاحها في الإقلاع عن التدخين .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





بدأت التدخين في سن الخامسة عشر وكنت وقتها في معتقل انصار(3) التابع لجيش الاحتلال في مدينة غزة ، صحيح أنني في تلك الفترة لم ادخن اكثر من 10 سجائر في الشهر , ولكني أعتبرها بداية دخولي عالم المدخنين .
بعدما خرجت من المعتقل , وعدت للمدرسة تركت التدخين مدة محدودة وحتى انني قمت بتسكير أول صندوق سجائر اشتريه بعدما دخنت منه سجارتين فقط .
لقد كرهت السيجارة نعم كرهت السيجارة بعض الشيء كان كرهي لها سببه ذلك الدوران الذي اشعر به عندما أدخن , لم أكن اعرف سببه على وجه التحديد وكنت أعتقد أنه يقتصر علي انا فقط بسبب مرضي الذي لازمني من الطفولة حتى بداية شبابي الأول ، مرض اقتص أهم جزء من حياتي وأي جزء طفولتي التي حرمت منها , لا لا ... حرمت منها في المدرسة فقط اما في البيت فكنت اعيشها نوعاً ما رغم نوبات الاغماء التي كانت تأتيني والتي كانت تلف أهلي حولي , ويلف بي أهلي على كل الاطباء والمستشفيات دون معرفة اسباب ذلك المرض اللعين الذي طاردني في طفولتي على شكل نوبات .
بعدما انتقلت الي المدرسة الثانوية واصبحت حينها في السادسة عشر من عمري وبدأت أشعر بالتغيرات الجسمية , ومع ظروف المدرسة الثانوية من حيث الاصدقاء ومن حيث الحرية عدت للسيجارة . كانت عودتي لها بسيطة 6 أو 7 سجائر يومياً هي نصيبي من علبة السجائر التي نشترك في شراءها انا واثنين من اصدقائي ورفاق دربي , كنا نتقاسمها بالتساوي , ولأن عدد العشرين سيجارة لا يقبل القسمة على ثلاثة كان لابد ان يأخذ أحدنا 6 سجائر فقط في كل ثلاث ايام بشكل دوري .
كنت أدخن بشكل سري نوعا ً ما فلم يكن أبي وأمي يعلمون بأنني مدخن ، من كان يعلم فقط هم أخي الأكبر مني المدخن ايضا وأخواتي الاثنتين اللتان فرحتا لاني كبرت طبعاً بالاضافة لاصدقائي رفاق دربي للمدرسة .
مر الشهر تلو الشهر وأنا مازلت على حالي اشارك اصدقائي شراء السجائر ويشاركني من يشاركني بهذا السر الخطير سر انني مدخن .
بعد 5 شهور حدث التحول الكبير ، لقد أجبرتني الظروف أو ربما تكون أجبرت أمي أكثر مني على أن تعرف أنني مدخن ، وان تتقبل الموقف بشيء من الصمت وإن كان يعني لها العلقم .
ففي الثامن والعشرين من كانون الثاني من العام1993وفي إحدى المواجهات مع الجيش الاسرائيلي اصبت في ركبتي اليسرى بعيار ناري ألزمني في البيت شهر كامل. 

 شهر كامل كان لابد لي فيه  ان أدخن في البيت ، كنت على يقين بأن أحداً  لن يكلمني من أهلي ظروف اصابتي تمنعهم من الضغط عليّ وحتى لو كان ضغطاً  نفسياً ، وكنت احصل على السجائر من اصدقائي الذين لم ينقطعوا ولو ليوم واحد من زيارتي  ، وحتى ماجد  الذي كانت علاقتي معه أعلى من سطحية بقليل عندما آتى  لزيارتي  أهداني علبة سجائر وقطعة شوكولاتة  من الحجم الكبير . 

 كانت هديته التي قد يشمئز منها البعض لطيفة جداً  بالنسبة لي  وهو ليس من ذلك النوع الذي يسعى إلى التخريب أو الأغواء ، ولم يكن له أية مآرب في هديته سوى شعوره بأن صديقه  الذي لا يستطيع الخروج لشراء السجائر قد يكون بأمس الحاجة لها الآن ، لقد تصرف باحساس الصديق نحو صديقه بحسب ما كنا نفكر في ذلك السن المراهق و برغم ما سببت له الهدية من حرج .

 كنت أشعر ان نظرة المعلمين للطالب المدخن نظرة دونية وقد كانوا معذورين فأغلب الطلاب المدخنين هم أكثرهم استهتار وكسل في الدراسة ، وكان عندي رغبة قوية في تغير هذه النظرة وما كان أمامي من سبيل سوى اثبات تفوقي الدراسي  ، وقد كان كذلك  نوعاً  ما ، وحتى الآن لا تعجبني نظرة العرب المظهرية للانسان  ، بل لا تعجبني العقلية العربية بعمومها لا يعجبني الشاب المستهتر الذي يعبر عن استهتاره بنوعية الملابس والسيجارة وربما زجاجة الخمر  ، ولا يعجبني حكم  الناس  على اي انسان بناءاً  على ملابسه وسيجارته كان رفضي  لهذا السلوك  منبع تشكيل شخصيتي فيما بعد  ، ومنبع حيرة الآخرين فيّ  , لقد كنت مظهريا مستهتر وعملياً  ملتزم .

 حين كانت تقذفني الظروف لاتحدث مع كبار السن كنت اتحدث  بأدب يكاد يصل حد التقديس  حتى ان كثير منهم اعتذر لي على سوء ظنه  فقد كنت ارتدي ملابس الموضة وأدخن وهذا بحد ذاته مصدر سوء ظنهم وإن كنت لا اقص شعري على الموضة  .

 

مرت الأيام يوم بعد يوم وأنا على حالي شاب صغير مدخن غير مستهتر حتى علم أبي بأنني أدخن ، أشك انه علم من أمي لا اعرف على وجه الدقة ، ولكني فوجئت حين استدعاني ليتحدث معي ، وفوجئت أكثر أن حديثه كان عن التدخين ، لا أتذكر أبداً  أنني نظرت الي  وجهه وهو يتحدث معي عن ضرورة تركي التدخين ولكني أتذكر جيداً  كلمته لي  ( بتوعدني تبطل تدخين ) وكان له مني ذلك الوعد الذي لم أوفي فيه الي الآن .

كنت اشعر بانني استطيع ترك التدخين بسهولة  ، لم أكن اشعر بأي تغير عليّ لو ما دخنت يوم كامل أو نصف يوم  ولذلك  كنت اظن أنني استطيع ترك التدخين بسهولة ، ولكن مفارقة القدر العجيبة هي التي منعتني أن اتخذ هذا القرار رغم وعدي لأبي نعم أنها مفارقة عجيبة أن يتزامن شفائي من مرضي المجهول مع بدايتي التدخين فمنذ ذلك الوقت الذي امسكت فيه السيجارة لم تعد تأتيني نوبات الإغماء اللعينة وهذا وحده كان سبب كافي لي لأتمسك بالسيجارة  وإن كان ربطي بين مرضي والسيجارة ربط ساذج في الأغلب لا صحة له .

 

يتبع ...  

هناك 3 تعليقات:

  1. أنا معك أن التدخين لا ينقص من قدر الانسان انما ينقص من صحته فقط

    والتدخين ليس للمستهترين فقط لا ننسى أن أغلب الكتاب الكبار كانو مدخنين وخصوصا في فترة من الزمن (الستعمار) مثلا

    قد تكون للتدخين حلاوة بالنسبة للانسان المفكر أو الشاعر أو الكاتب أو الروائي أو السياسي والصحفي هم فقط من يعرف تلك الحلاوة بين السيجارة والقلم والورق رغم علمهم بأضراره الكبيرة جدا

    لكن في رأي لا توجد أفضل من الحرية الحرية من كل شيء حتى من السيجارة

    ردحذف
  2. هاللو قطب

    مدونتك عايزة بوتجاز وماسورة غاز(عشان لو انبوبة اكيد هتخلص بسرعة)وبراد وكوباية وشاى وسكر

    (و500 نوع دوا للصداع )هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه

    تقيلة جدا وعايزة كل يوم موضوع واحد للتصفح عشان الواحد يفهم ايه اللى فيها

    انا كل ما اقارن بينها وبين مدونتى اضحك (رغم ان دى حاجة ودى حاجة تانية خالص)بس بصراحة مدونتى زى الفاكهة ومدونتك زى الخضار المسبك هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه


    ردحذف
  3. هاللو قطب

    يااااااااه انا افتكرتك هاجرت المجر ياراجل

    انت عامل ايه؟ وايه اخبارك ؟

    انا الحمد لله كويسة

    انت ايه الجديد عندك؟

    ميرسى لذوقك انا لسه بدون على قدى قطب مش برو يعنى

    ردحذف