مقالة رقم (1)
خطة سوفير - شارون... أبعاد وخلفيات
هاني المصري
صحيفة الحياة اللندنية 27/6/2004
عندما تقرر حكومة إسرائيلية يرأسها شخص مثل أرييل شارون «أبو الاستيطان» وأحد دعاة إقامة إسرئيل الكبرى، وصاحب التاريخ الأسود الحافل بالحروب والمغامرات والمجازر، والمعروف بالايمان بالقوة فقط لحل الصراع، أن إسرائيل ستنسحب من قطاع غزة وتخلي المستوطنات فيه وتضع هذا الهدف في مرتبة الأهداف الكبرى لإسرائيل، فهذا قرار مهم وتاريخي ولا يمكن التقليل من شأنه.
صحيح أن القرار لا ينص على الانسحاب والاخلاء، لكنه يعني الانسحاب والاخلاء، وما منع النص بصراحة على ذلك أن القرار جاء كحل وسط للحفاظ على وحدة حزب ليكود والحكومة، بين شارون ومؤيدي خطة الفصل، ونتانياهو ومعارضي هذه الخطة. كما أن القرار يعني أن إسرائيل بدأت تدرك أن الاحتلال الإسرائيلي لغزة ليس مجدياً ولا مربحاً بل عامل استنزاف، وأن القوة والقتل والمجازر وهدم المنازل، لم تحسم الصراع، ولن تستطيع حسمه مهما طال الزمن.
خطة الفصل عن غزة محاولة إسرائيلية جادة جداً، وخطيرة جداً، لفك الارتباط بين الضفة وغزة، أي مقايضة غزة بالضفة وإقامة عائق ضخم جديد أمام حل الدولتين. إذ قال أحد الوزراء الإسرائيليين المعارضين للخطة أن شارون أخبره لكي يقنعه بها، أن تضحيته بمستوطنات غزة تهدف إلى عدم إبقاء أي أثر لقرار 242 . وقال له أيضاً: إن إسرائيل بعد الانسحاب والاخلاء من غزة وبعض مستوطنات الضفة تستطيع الارتياح والسكينة طوال خمسين سنة في تلميح لا تنقصه الصراحة إلى أنه ينوي الاحتفاظ بالضفة من خلال تكريس الاحتلال والاستيطان والتهويد والجدار.وحتى نفهم خلفية خطة الفصل وأسبابها وأهدافها، علينا أن نتعرف على آراء البروفسور أرنون سوفير خبير الجغرافية والديموغرافية و«الأب الروحي» لهذه الخطة. فسوفير هو الذي بلور الخطة عام 2001، وبدأ يقرع جرس أنذار بشأن القنبلة الديموغرافية منذ عام 1975. وهو تحدث عن آرائه بكل صراحة في مقابلة أجرتها معه وسائل الإعلام الإسرائيلية أواخر أيار (مايو) الماضي. تقوم نظريته على أن الساعة الديموغرافية تتكتك، وأنه إذا لم تقم إسرائيل باتخاذ قرارات جريئة فإن العد التنازلي لإسرائيل سيبدأ. فالفلسطينيون بسبب كثرة نسلهم سيصبحون غالبية في الأرض الواقعة ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، وسيقضون على إسرائيل بوصفها دولة يهودية اعتماداً على رحم المرأة الفلسطينية. ولتفسير نظريته يقول سوفير إن تهجير الفلسطينيين كما يطرح اليمين المتطرف الإسرائيلي جنون وغير ممكن لأن المجتمع الدولي لن يسمح به، وأن التوصل إلى حل على قاعدة وثيقة جنيف جنون، كما يطرح اليسار الإسرائيلي، لأن إسرائيل لن تقبل به. وبالتالي لا يمكن التوصل إلى سلام بل إلى «إدارة نزاع». الفلسطينيون، يتابع سوفير، لن يقبلوا ما نفرضه عليهم. فـإسرائيل تعرض عليهم سجوناً اسمها غزة والخليل ونابلس. وكل واحد من هذه السجون معزول عن البقية. واليهود لن يسمحوا للفلسطينين بامتلاك جيش ولا بحق العودة للاجئين. ويتساءل سوفير محقاً: لماذا على الفلسطينين التوصل إلى اتفاق معنا إذا كان هذا هو اقصى ما يمكن أن نعرضه عليهم؟
علينا ان نقتل ونقتل ونقتل...
تأسيساً على ما سبق يرى سوفير أن خطة الفصل أحادي الجانب، التي ستعتمد على القوة لفرضها، هي الحل الوحيد. وهي خطة لا تضمن السلام بل تضمن قيام دولة يهودية - صهيونية ذات غالبية من اليهود، كما ستضمن أمراً مهماً هو هجرة الفلسطينين الطوعية. كيف ذلك؟ يجيب بأن غزة بعد الفصل ستكون كارثة، وستدور حرب مروعة على السياج، وستتواصل عمليات قتل الفلسطينين حتى تنتهي أسطورة الديموغرافيا، وتصل الدراما في رؤية سوفير إلى ذروتها بقوله: إن أهل غزة المغلقة، ستكون حياتهم كارثة إنسانية، وسيتحول هؤلاء الأشخاص إلى حيوانات أكبر مما هم عليه اليوم، بمساعدة من إسلام متشدد وغير عاقل، وسيصبح الضغط على الحدود فظيعاً وستكون هذه حرباً مريعة. وعلى إسرائيل أن ترد على كل صاروخ يطلقه الفلسطينيون بـ10 صواريخ، تؤدي إلى أن اطفالاً ونساءً سيقتلون ومنازل ستدمر. وهكذا، يتابع سوفير، إذا أردنا البقاء أحياء فسيكون علينا أن نقتل ونقتل طوال اليوم وكل يوم. وإذا لم نقم بالقتل ، فإننا سنتوقف عن البقاء. الشيء الوحيد الذي يخشاه سوفير ويهمه هو كيفية ضمان أن الرجال والفتية الإسرائيليين الذين سيذهبون لتنفيذ القتل سيتمكنون من العودة إلى عائلاتهم وأن يكونوا بشراً طبيعيين!
ولضمان تحقيق الهجرة الطوعية، دعا سوفير إلى عدم تمكين العمال الفلسطينيين بعد الفصل من العمل في إسرائيل فهم عندما لا يجدون العمل في تل أبيب وتصبح حياتهم في غزة جحيماً لا يطاق سيفكرون بالهجرة والبحث عن العمل في العراق والكويت ولندن وبقية أنحاء العالم.
وحتى لا يستخف أحد بالأفكار التي يوردها سوفير عليه أن يطلع على نص خطة الفصل بصيغها كافة، ليرى أنها اعتمدت بصورة شبه كاملة على ما طرحه سوفير.
فالخطة تتحدث عن أن هدفها هو «جلب واقع أمني أفضل، وحقائق اقتصادية وديموغرافية ديبلوماسية» وجاء فيها «أنه من الواضح بأن بعض أجزاء يهودا والسامرة (الضفة الفلسطينية) (بما فيها مراكز الوجود الاستيطاني اليهودي المكثف، تجمعات مدنية، مناطق أمنية وأماكن سيكون لإسرائيل فيها مصالح أخرى) ستبقى جزءاً من دولة إسرائيل».
وتؤكد الخطة أن «دولة إسرائيل ستواصل بناء السياج الأمني بما يتناسب مع قرارات الحكومة ذات الصلة»، وأنها «ستشرف وترابط على الحدود الخارجية للقطاع من اليابسة، وستسيطر بشكل مطلق على المجال الجوي للقطاع وستواصل القيام بعمليات عسكرية في المجال المائي لقطاع غزة».
وتضيف الخطة: «تحتفظ إسرائيل لنفسها بالحق الأساسي في الدفاع عن النفس، بما في ذلك القيام بخطوات وقائية وكذلك استخدام القوة ضد التهديدات التي ستنشأ في قطاع غزة»، وهذا يضمن لها ممارسة القتل كل يوم، كما يضمن حدوث الحرب المروعة التي تحدث عنها سوفير. وجاء في الخطة كذلك «أن دولة إسرائيل تطمح لتقليص عدد العمال الفلسطينيين الذين يدخلون إسرائيل وصولاً إلى وقف دخولهم بالكامل إلى إسرائيل» حتى تتحقق الكارثة الإنسانية التي توقعها ونعق بها سوفير.وحتى نأخذ آراء سوفير بكل جدية علينا أن نعرف أن شارون طلب الاجتماع به يوم انتخب رئيساً للوزراء، وذلك للتعرف إلى خطته للفصل التي طرحها بصورة مبلورة منذ العام 2001. وكما قال سوفير فإن أفكاره لم تثر الاهتمام في البداية، لكنها وجدت كل الاهتمام منذ شهور لدرجة أن المراقب لمكتبه، كان يرى عدد السياسيين الذين أتوا لزيارته من أعضاء كنيست ووزراء وقادة أحزاب وقادة عسكريين وأمنيين.
خطة معادية للسلام
بعد قراءة خطة الفصل بكل الصيغ، يتضح كم هي بعيدة عن السلام بل هي خطة معادية للسلام. وشارون بإقرارها لا يدخل التاريخ كما يتمنى بل يحاول إيقاف عقارب التاريخ. وذلك يتضح مما يأتي :
أولاً: خطة الفصل تقفز على أسس وجوهر ومرجعية عملية السلام والمفاوضات والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بما في ذلك الاتفاقات الفلسطينية- الإسرائيلية الثنائية، وخريطة الطريق، فكل ما في الخطة، إضافة إلى وجود نص واضح في الرسالة التي سلمها شارون لبوش أثناء لقائهما في الرابع عشر من نيسان (أبريل) الماضي، يدل إلى أن خطة الفصل خطة مستقلة.
ثانياً: خطة الفصل تسقط الحل المتفاوض عليه، وتلغي الطرف الثاني من الصراع، والذي هو الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية والوطنية، وتفصل حلاً إسرائيلياً أحادياً وتسعى إلى تطبيقه من جانب واحد، وما على الفلسطينيين سوى تكييف أنفسهم على مقاس شروطه وأهدافه، وذلك إذا أرادوا الاعتراف بهم كشريك في مرحلة لاحقة . فقد نصت الخطة بأنه لا يوجد شريك فلسطيني حالياً. وأحد أهداف الخطة كما أعلن شارون بعظمة لسانه توجيه ضربة قاصمة للفلسطينين!!
ثالثاً: خطة الفصل، تضرب في الصميم وحدة الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، كما تقسم الشعب الفلسطيني، وتتجاوز كلياً وحدانية التمثيل الفلسطيني، الأمر الذي يهدد إذا ما وجدت هذه الخطة طريقها إلى النجاح إلى إعادة القضية الفلسطينية عشرات السنين إلى الوراء، إلى مرحلة الضياع والتشتت وسيادة سياسات الاحتواء والبدائل والوصاية على الشعب الفلسطيني.
رابعاً: تكرس خطة الفصل مشروع شارون للحل الانتقالي طويل الأمد متعدد المراحل. وتقفز عن ضرورة التوصل إلى اتفاق نهائي، بما يساعد إسرائيل على تصفية القضايا الأساسية التي تتعلق بالقدس والحدود واللاجئين والاستيطان، عن طرق كسب الوقت وخلق أمر واقع /احتلالي استيطاني عنصري في الضفة يجعل أي مفاوضات تتناول الوضع النهائي مستحيلة أو محكومة بحقائق على الأرض لا يمكن تجاوزها.
خامساً: تقضي خطة الفصل على أية إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس تقوم على الأراضي المحتلة عام 1967، وأقصى ما يمكن أن تؤدي إليه، هو قيام «دويلة فلسطينية» في غزة تتفاوض مع إسرائيل على مصير الضفة، وتصل بعد عمر طويل إلى بلورة وإقرار خطة تقاسم وظيفي فلسطيني _ إسرائيلي، ويمكن أن يشارك بها أطراف أخرى، تقوم فيها «الدويلة الفلسطينية» بالإشراف على شؤون السكان وبعض الوظائف الأخرى، بينما إسرائيل تحتفظ بالسيادة والسيطرة على الأمن والدفاع والشؤون الخارجية!
... على جثة «خريطة الطريق»
على رغم كل ما سبق، تتحول خطة شارون للفصل أحادي الجانب، بسبب تعددية الموقف الفلسطيني وغياب استراتيجية فلسطينية واحدة والعجز العربي والسيطرة الأميركية على السياسة الدولية، إلى خطة دولية بعد إقرارها من جانب اللجنة الرباعية الدولية، حتى بعد إقرارها بصورة ملغومة داخل الحكومة الإسرائيلية أي بإقرارها من ناحية المبدأ فقط، فإنها ستحتاج إلى قرار جديد ينص على الانسحاب وإخلاء المستوطنات بعد تسعة أشهر. وتم تقسيم عملية الانسحاب والاخلاء إلى أربعة مراحل بعدما كانت في الخطة الأصلية مرحلة واحدة، وكل مرحلة من المراحل الأربعة بحاجة إلى مصادقة جديدة من الحكومة الإسرائيلية. وهذا كله يجعل مصير الخطة مجهولاً ومرتبطاً بسير الخلافات والتجاذبات داخل ليكود والحكومة الإسرائيلية، وبقاء أو عدم بقاء شارون على سدة الحكم في إسرائيل. فإذا لم يبق وخلفه نتانياهو سيعني ذلك أن الخطة ستتعرض لمزيد من الشروط الإسرائيلية مما يجعلها أكثر فأكثر دعوة مفتوحة إلى الحرب وليست فرصة تاريخية لصنع السلام. وإذا استمر شارون وضم حزب العمل إلى حكومته بدلاً من حزبي الاتحاد الوطني (الذي أخرجه شارون من الحكومة) (والمفدال الذي استقال اثنين من قادته من الحكومة وبقي فيها البقية) سيمضي في خطته إلى النهاية.
إن إعلان اللجنة الرباعية الدولية عن ترحيبها بخطة الفصل أحادي الجانب، عن طريق النظر إليها كجزء من خارطة الطريق، لا يغير من طبيعتها ولا من حقيقتها وأهدافها، ولا يغير ما يجري عملياً على أرض الواقع، والذي يوضح أنها خطة احتلالية عنصرية توسعية تقدم «الانسحاب» من غزة كطعم لتكريس احتلال الضفة.
كما أن إعلان السلطة الوطنية الفلسطينية عن استعدادها لتحمل مسؤولياتها عن جميع الأراضي التي قد يتم الانسحاب الإسرائيلي منها، هو أمر ضروري وصحيح، لكنه لا يكفي وقد يظهر كأنه تسليم بخطة شارون والأمر الواقع الذي سينجم عنها.إن المصلحة الوطنية الفلسطينية تفرض اتخاذ موقف قاطع يرفض خطة شارون والعمل والدعوة لإسقاطها قبل أن تبدأ عملية تطبيقها وهذا لا يعني رفض الانسحاب الإسرائيلي، وإنما فصلاً ما بين الترحيب بالانسحاب ورفض خطة الفصل. كما تفرض المصلحة الوطنية الفلسطينية اتخاذ موقف جوهره ربط مشاركة السلطة بأي خطة أو خطوات مقبلة بمدى قدرتها على انجاز الحقوق الوطنية الفلسطينية المكرسة في قرارات الشرعية الدولية ومرجعيات عملية السلام المستندة إلى قراري مجلس الأمن 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام .
أما الاكتفاء بالحديث عن ربط خطة شارون بخريطة الطريق، أو بوضع قائمة طويلة من الشروط المستحيل أن يأخذ بها شارون، أو بتركيز الاهتمام فقط بتأمين المشاركة الفلسطينية التي ترتبط بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية لا معنى لها سوى الاستعداد للتكيف مع الحل الإسرائيلي المنفرد عن قصد أو بدون قصد!
لقد اضطر شارون لبلورة خطة الفصل أحادي الجانب في قطاع غزة، لأنه لم يحقق وعده للناخب الإسرائيلي بتوفير الأمن والسلام، ولم يهزم الفلسطينين عسكرياً، ولم يغير وعيهم وقراراتهم ولا عزيمتهم واصرارهم على تحقيق الحرية والاستقلال. وما كان لشخص مثل شارون أن يقدم على ما أقدم عليه لولا أنه أدرك أنه لن يستطيع دحر المقاومة الفلسطينية عن طريق القوة، وأن إسرئيل ستواجه الحل في نهاية المطاف.
فالعوامل الضاغطة لفرض الحل اقليمياً ودولياً تتزايد. ولكن الحل المفروض على إسرائيل في هذه الحالة سيكون حلاً مؤلماً لها، ستضطر فيه إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، ويمكن من خلاله أن تفقد الكثير. ولكن الحل الذي تبادر إسرائيل إلى طرحه، وتسعى إلى تطبيقه ستقدم من خلاله القليل، وتأخذ الكثير.
أن من يبادر يمسك بزمام الأمور، ولا تملك الأطراف سوى: إما رفض مبادرته والظهور بصورة سلبية، أو تقدم على تعديل مبادرته وبالتالي تضطر إلى قبولها؟ وفي الحالين يبقى المبادر هو الرابح دائماً. فهل نتعظ ونعرف أهمية المبادرة؟ ونبادر بحيث تصبح المبادرة الفلسطينية في مواجهة المبادرة الإسرائيلية!
كاتب فلسطيني
صحيح أن القرار لا ينص على الانسحاب والاخلاء، لكنه يعني الانسحاب والاخلاء، وما منع النص بصراحة على ذلك أن القرار جاء كحل وسط للحفاظ على وحدة حزب ليكود والحكومة، بين شارون ومؤيدي خطة الفصل، ونتانياهو ومعارضي هذه الخطة. كما أن القرار يعني أن إسرائيل بدأت تدرك أن الاحتلال الإسرائيلي لغزة ليس مجدياً ولا مربحاً بل عامل استنزاف، وأن القوة والقتل والمجازر وهدم المنازل، لم تحسم الصراع، ولن تستطيع حسمه مهما طال الزمن.
خطة الفصل عن غزة محاولة إسرائيلية جادة جداً، وخطيرة جداً، لفك الارتباط بين الضفة وغزة، أي مقايضة غزة بالضفة وإقامة عائق ضخم جديد أمام حل الدولتين. إذ قال أحد الوزراء الإسرائيليين المعارضين للخطة أن شارون أخبره لكي يقنعه بها، أن تضحيته بمستوطنات غزة تهدف إلى عدم إبقاء أي أثر لقرار 242 . وقال له أيضاً: إن إسرائيل بعد الانسحاب والاخلاء من غزة وبعض مستوطنات الضفة تستطيع الارتياح والسكينة طوال خمسين سنة في تلميح لا تنقصه الصراحة إلى أنه ينوي الاحتفاظ بالضفة من خلال تكريس الاحتلال والاستيطان والتهويد والجدار.وحتى نفهم خلفية خطة الفصل وأسبابها وأهدافها، علينا أن نتعرف على آراء البروفسور أرنون سوفير خبير الجغرافية والديموغرافية و«الأب الروحي» لهذه الخطة. فسوفير هو الذي بلور الخطة عام 2001، وبدأ يقرع جرس أنذار بشأن القنبلة الديموغرافية منذ عام 1975. وهو تحدث عن آرائه بكل صراحة في مقابلة أجرتها معه وسائل الإعلام الإسرائيلية أواخر أيار (مايو) الماضي. تقوم نظريته على أن الساعة الديموغرافية تتكتك، وأنه إذا لم تقم إسرائيل باتخاذ قرارات جريئة فإن العد التنازلي لإسرائيل سيبدأ. فالفلسطينيون بسبب كثرة نسلهم سيصبحون غالبية في الأرض الواقعة ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، وسيقضون على إسرائيل بوصفها دولة يهودية اعتماداً على رحم المرأة الفلسطينية. ولتفسير نظريته يقول سوفير إن تهجير الفلسطينيين كما يطرح اليمين المتطرف الإسرائيلي جنون وغير ممكن لأن المجتمع الدولي لن يسمح به، وأن التوصل إلى حل على قاعدة وثيقة جنيف جنون، كما يطرح اليسار الإسرائيلي، لأن إسرائيل لن تقبل به. وبالتالي لا يمكن التوصل إلى سلام بل إلى «إدارة نزاع». الفلسطينيون، يتابع سوفير، لن يقبلوا ما نفرضه عليهم. فـإسرائيل تعرض عليهم سجوناً اسمها غزة والخليل ونابلس. وكل واحد من هذه السجون معزول عن البقية. واليهود لن يسمحوا للفلسطينين بامتلاك جيش ولا بحق العودة للاجئين. ويتساءل سوفير محقاً: لماذا على الفلسطينين التوصل إلى اتفاق معنا إذا كان هذا هو اقصى ما يمكن أن نعرضه عليهم؟
علينا ان نقتل ونقتل ونقتل...
تأسيساً على ما سبق يرى سوفير أن خطة الفصل أحادي الجانب، التي ستعتمد على القوة لفرضها، هي الحل الوحيد. وهي خطة لا تضمن السلام بل تضمن قيام دولة يهودية - صهيونية ذات غالبية من اليهود، كما ستضمن أمراً مهماً هو هجرة الفلسطينين الطوعية. كيف ذلك؟ يجيب بأن غزة بعد الفصل ستكون كارثة، وستدور حرب مروعة على السياج، وستتواصل عمليات قتل الفلسطينين حتى تنتهي أسطورة الديموغرافيا، وتصل الدراما في رؤية سوفير إلى ذروتها بقوله: إن أهل غزة المغلقة، ستكون حياتهم كارثة إنسانية، وسيتحول هؤلاء الأشخاص إلى حيوانات أكبر مما هم عليه اليوم، بمساعدة من إسلام متشدد وغير عاقل، وسيصبح الضغط على الحدود فظيعاً وستكون هذه حرباً مريعة. وعلى إسرائيل أن ترد على كل صاروخ يطلقه الفلسطينيون بـ10 صواريخ، تؤدي إلى أن اطفالاً ونساءً سيقتلون ومنازل ستدمر. وهكذا، يتابع سوفير، إذا أردنا البقاء أحياء فسيكون علينا أن نقتل ونقتل طوال اليوم وكل يوم. وإذا لم نقم بالقتل ، فإننا سنتوقف عن البقاء. الشيء الوحيد الذي يخشاه سوفير ويهمه هو كيفية ضمان أن الرجال والفتية الإسرائيليين الذين سيذهبون لتنفيذ القتل سيتمكنون من العودة إلى عائلاتهم وأن يكونوا بشراً طبيعيين!
ولضمان تحقيق الهجرة الطوعية، دعا سوفير إلى عدم تمكين العمال الفلسطينيين بعد الفصل من العمل في إسرائيل فهم عندما لا يجدون العمل في تل أبيب وتصبح حياتهم في غزة جحيماً لا يطاق سيفكرون بالهجرة والبحث عن العمل في العراق والكويت ولندن وبقية أنحاء العالم.
وحتى لا يستخف أحد بالأفكار التي يوردها سوفير عليه أن يطلع على نص خطة الفصل بصيغها كافة، ليرى أنها اعتمدت بصورة شبه كاملة على ما طرحه سوفير.
فالخطة تتحدث عن أن هدفها هو «جلب واقع أمني أفضل، وحقائق اقتصادية وديموغرافية ديبلوماسية» وجاء فيها «أنه من الواضح بأن بعض أجزاء يهودا والسامرة (الضفة الفلسطينية) (بما فيها مراكز الوجود الاستيطاني اليهودي المكثف، تجمعات مدنية، مناطق أمنية وأماكن سيكون لإسرائيل فيها مصالح أخرى) ستبقى جزءاً من دولة إسرائيل».
وتؤكد الخطة أن «دولة إسرائيل ستواصل بناء السياج الأمني بما يتناسب مع قرارات الحكومة ذات الصلة»، وأنها «ستشرف وترابط على الحدود الخارجية للقطاع من اليابسة، وستسيطر بشكل مطلق على المجال الجوي للقطاع وستواصل القيام بعمليات عسكرية في المجال المائي لقطاع غزة».
وتضيف الخطة: «تحتفظ إسرائيل لنفسها بالحق الأساسي في الدفاع عن النفس، بما في ذلك القيام بخطوات وقائية وكذلك استخدام القوة ضد التهديدات التي ستنشأ في قطاع غزة»، وهذا يضمن لها ممارسة القتل كل يوم، كما يضمن حدوث الحرب المروعة التي تحدث عنها سوفير. وجاء في الخطة كذلك «أن دولة إسرائيل تطمح لتقليص عدد العمال الفلسطينيين الذين يدخلون إسرائيل وصولاً إلى وقف دخولهم بالكامل إلى إسرائيل» حتى تتحقق الكارثة الإنسانية التي توقعها ونعق بها سوفير.وحتى نأخذ آراء سوفير بكل جدية علينا أن نعرف أن شارون طلب الاجتماع به يوم انتخب رئيساً للوزراء، وذلك للتعرف إلى خطته للفصل التي طرحها بصورة مبلورة منذ العام 2001. وكما قال سوفير فإن أفكاره لم تثر الاهتمام في البداية، لكنها وجدت كل الاهتمام منذ شهور لدرجة أن المراقب لمكتبه، كان يرى عدد السياسيين الذين أتوا لزيارته من أعضاء كنيست ووزراء وقادة أحزاب وقادة عسكريين وأمنيين.
خطة معادية للسلام
بعد قراءة خطة الفصل بكل الصيغ، يتضح كم هي بعيدة عن السلام بل هي خطة معادية للسلام. وشارون بإقرارها لا يدخل التاريخ كما يتمنى بل يحاول إيقاف عقارب التاريخ. وذلك يتضح مما يأتي :
أولاً: خطة الفصل تقفز على أسس وجوهر ومرجعية عملية السلام والمفاوضات والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بما في ذلك الاتفاقات الفلسطينية- الإسرائيلية الثنائية، وخريطة الطريق، فكل ما في الخطة، إضافة إلى وجود نص واضح في الرسالة التي سلمها شارون لبوش أثناء لقائهما في الرابع عشر من نيسان (أبريل) الماضي، يدل إلى أن خطة الفصل خطة مستقلة.
ثانياً: خطة الفصل تسقط الحل المتفاوض عليه، وتلغي الطرف الثاني من الصراع، والذي هو الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية والوطنية، وتفصل حلاً إسرائيلياً أحادياً وتسعى إلى تطبيقه من جانب واحد، وما على الفلسطينيين سوى تكييف أنفسهم على مقاس شروطه وأهدافه، وذلك إذا أرادوا الاعتراف بهم كشريك في مرحلة لاحقة . فقد نصت الخطة بأنه لا يوجد شريك فلسطيني حالياً. وأحد أهداف الخطة كما أعلن شارون بعظمة لسانه توجيه ضربة قاصمة للفلسطينين!!
ثالثاً: خطة الفصل، تضرب في الصميم وحدة الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، كما تقسم الشعب الفلسطيني، وتتجاوز كلياً وحدانية التمثيل الفلسطيني، الأمر الذي يهدد إذا ما وجدت هذه الخطة طريقها إلى النجاح إلى إعادة القضية الفلسطينية عشرات السنين إلى الوراء، إلى مرحلة الضياع والتشتت وسيادة سياسات الاحتواء والبدائل والوصاية على الشعب الفلسطيني.
رابعاً: تكرس خطة الفصل مشروع شارون للحل الانتقالي طويل الأمد متعدد المراحل. وتقفز عن ضرورة التوصل إلى اتفاق نهائي، بما يساعد إسرائيل على تصفية القضايا الأساسية التي تتعلق بالقدس والحدود واللاجئين والاستيطان، عن طرق كسب الوقت وخلق أمر واقع /احتلالي استيطاني عنصري في الضفة يجعل أي مفاوضات تتناول الوضع النهائي مستحيلة أو محكومة بحقائق على الأرض لا يمكن تجاوزها.
خامساً: تقضي خطة الفصل على أية إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس تقوم على الأراضي المحتلة عام 1967، وأقصى ما يمكن أن تؤدي إليه، هو قيام «دويلة فلسطينية» في غزة تتفاوض مع إسرائيل على مصير الضفة، وتصل بعد عمر طويل إلى بلورة وإقرار خطة تقاسم وظيفي فلسطيني _ إسرائيلي، ويمكن أن يشارك بها أطراف أخرى، تقوم فيها «الدويلة الفلسطينية» بالإشراف على شؤون السكان وبعض الوظائف الأخرى، بينما إسرائيل تحتفظ بالسيادة والسيطرة على الأمن والدفاع والشؤون الخارجية!
... على جثة «خريطة الطريق»
على رغم كل ما سبق، تتحول خطة شارون للفصل أحادي الجانب، بسبب تعددية الموقف الفلسطيني وغياب استراتيجية فلسطينية واحدة والعجز العربي والسيطرة الأميركية على السياسة الدولية، إلى خطة دولية بعد إقرارها من جانب اللجنة الرباعية الدولية، حتى بعد إقرارها بصورة ملغومة داخل الحكومة الإسرائيلية أي بإقرارها من ناحية المبدأ فقط، فإنها ستحتاج إلى قرار جديد ينص على الانسحاب وإخلاء المستوطنات بعد تسعة أشهر. وتم تقسيم عملية الانسحاب والاخلاء إلى أربعة مراحل بعدما كانت في الخطة الأصلية مرحلة واحدة، وكل مرحلة من المراحل الأربعة بحاجة إلى مصادقة جديدة من الحكومة الإسرائيلية. وهذا كله يجعل مصير الخطة مجهولاً ومرتبطاً بسير الخلافات والتجاذبات داخل ليكود والحكومة الإسرائيلية، وبقاء أو عدم بقاء شارون على سدة الحكم في إسرائيل. فإذا لم يبق وخلفه نتانياهو سيعني ذلك أن الخطة ستتعرض لمزيد من الشروط الإسرائيلية مما يجعلها أكثر فأكثر دعوة مفتوحة إلى الحرب وليست فرصة تاريخية لصنع السلام. وإذا استمر شارون وضم حزب العمل إلى حكومته بدلاً من حزبي الاتحاد الوطني (الذي أخرجه شارون من الحكومة) (والمفدال الذي استقال اثنين من قادته من الحكومة وبقي فيها البقية) سيمضي في خطته إلى النهاية.
إن إعلان اللجنة الرباعية الدولية عن ترحيبها بخطة الفصل أحادي الجانب، عن طريق النظر إليها كجزء من خارطة الطريق، لا يغير من طبيعتها ولا من حقيقتها وأهدافها، ولا يغير ما يجري عملياً على أرض الواقع، والذي يوضح أنها خطة احتلالية عنصرية توسعية تقدم «الانسحاب» من غزة كطعم لتكريس احتلال الضفة.
كما أن إعلان السلطة الوطنية الفلسطينية عن استعدادها لتحمل مسؤولياتها عن جميع الأراضي التي قد يتم الانسحاب الإسرائيلي منها، هو أمر ضروري وصحيح، لكنه لا يكفي وقد يظهر كأنه تسليم بخطة شارون والأمر الواقع الذي سينجم عنها.إن المصلحة الوطنية الفلسطينية تفرض اتخاذ موقف قاطع يرفض خطة شارون والعمل والدعوة لإسقاطها قبل أن تبدأ عملية تطبيقها وهذا لا يعني رفض الانسحاب الإسرائيلي، وإنما فصلاً ما بين الترحيب بالانسحاب ورفض خطة الفصل. كما تفرض المصلحة الوطنية الفلسطينية اتخاذ موقف جوهره ربط مشاركة السلطة بأي خطة أو خطوات مقبلة بمدى قدرتها على انجاز الحقوق الوطنية الفلسطينية المكرسة في قرارات الشرعية الدولية ومرجعيات عملية السلام المستندة إلى قراري مجلس الأمن 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام .
أما الاكتفاء بالحديث عن ربط خطة شارون بخريطة الطريق، أو بوضع قائمة طويلة من الشروط المستحيل أن يأخذ بها شارون، أو بتركيز الاهتمام فقط بتأمين المشاركة الفلسطينية التي ترتبط بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية لا معنى لها سوى الاستعداد للتكيف مع الحل الإسرائيلي المنفرد عن قصد أو بدون قصد!
لقد اضطر شارون لبلورة خطة الفصل أحادي الجانب في قطاع غزة، لأنه لم يحقق وعده للناخب الإسرائيلي بتوفير الأمن والسلام، ولم يهزم الفلسطينين عسكرياً، ولم يغير وعيهم وقراراتهم ولا عزيمتهم واصرارهم على تحقيق الحرية والاستقلال. وما كان لشخص مثل شارون أن يقدم على ما أقدم عليه لولا أنه أدرك أنه لن يستطيع دحر المقاومة الفلسطينية عن طريق القوة، وأن إسرئيل ستواجه الحل في نهاية المطاف.
فالعوامل الضاغطة لفرض الحل اقليمياً ودولياً تتزايد. ولكن الحل المفروض على إسرائيل في هذه الحالة سيكون حلاً مؤلماً لها، ستضطر فيه إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، ويمكن من خلاله أن تفقد الكثير. ولكن الحل الذي تبادر إسرائيل إلى طرحه، وتسعى إلى تطبيقه ستقدم من خلاله القليل، وتأخذ الكثير.
أن من يبادر يمسك بزمام الأمور، ولا تملك الأطراف سوى: إما رفض مبادرته والظهور بصورة سلبية، أو تقدم على تعديل مبادرته وبالتالي تضطر إلى قبولها؟ وفي الحالين يبقى المبادر هو الرابح دائماً. فهل نتعظ ونعرف أهمية المبادرة؟ ونبادر بحيث تصبح المبادرة الفلسطينية في مواجهة المبادرة الإسرائيلية!
كاتب فلسطيني
أعتذرع الإزعاج
ردحذفلكن من أجل فلسطين فقط..
شاركنا حملتنا "فلسطيني فقط"
هل أنت عربي؟؟
هل أنت فلسطيني.؟؟؟
في الداخل أو في الشتات؟
تزعجك حالة التحزّب في البلاد؟
أنا أعلن أني فلسطيني فقط!
ماذا عنك؟...
أنظر إلى هذا الرابط:
http://badtiger.maktoobblog.com/1207850/فلسطيني_فقط!/
فلسطين تستحق منكم كلمة