الثلاثاء، 1 يناير 2008

غزة في ليلة رأس السنة الميلادية .

ما أصعبها من ليلة وما أطولها ايضاً ليلة رأس السنة الميلادية  والتي هي أيضاً  ليلة الإحتفال بذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية ال43 ،  التي قررت حركة حماس  منع أي احتفال بها  بالقوة  مما دعى حركة فتح لإلغاء  مهرجانها المركزي التي كانت تنوي  اقامته  احياءاً  للذكرى العزيزة على قلوبهم  والتي  تعني لعموم الفلسطينين   اطلاق أول طلق ناري  ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي  ،  ودعت حركة فتح انصارها الي قصر الإحتفال على اطلاق العاب النارية  ورفع الاعلام والريات  والتكبير  .


بدأت الليلة بالنسبة لي  مع بداية حلول الظلام أي بعد اذان المغرب  بحوالي نصف ساعة  ، في تلك الساعة أتى لي أبن عمي   لكي يلعب الشطرنج كالعادة،  فجلسنا ولعبنا  وأنتصر علي  لعدم تركيزي كما قلت له مبرراً الهزيمة الساحقة التي سحق جيشي بها  ، وبعدها خرجنا  الي الشارع  لنرى المفرقعات  والالعاب النارية التي كنا نسمع صوت أنفجارتها  ونحن جالسين  على طاولة الشطرنج.


في الشارع كان الناس يتجمهرون  على مفارق الطرق   لم يكونوا يحتفلوا أو يطلقوا اي ألعاب نارية   هم من المتفرجون والشبان الذين قاموا باطلاقها   لاذوا بالفرار  تحسباً من إعتقالهم  من قبل عناصر شرطة حماس الذين شاهدتهم  من بعيد وكانوا حوالي  5 سيارات جيب بالاضافة الي باص  يبدو أنه أعد خصيصاً  لكي يتسع لأعداد الشبان المنوي اعتقالهم  اذ كانت الاوامر  التي معهم  اعتقال كل شاب  يحتفل بذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية   سواء بالألعاب النارية او بالتكبير أو برفع رايات فتح   وحتى  الذي يرتدي الكوفية السمراء  والتي يرتديها أبناء حركة فتح عادة كما كان يفعل الرئيس الراحل أبو عمار  .


قال لي ابن عمي تعال معي عند ورشة صيانة الاجهزة الالكترونية   لكي نعرف ماذا فعل الفني  بجهاز تلفزيوني لقد تعطل منذ يومين  وأخذته  الي الصيانة  , فقلت له حسناً  هيا  ومشينا بالشارع المملوء بالمواطنين الذين يتفرجون بترقب اشتعال الأوضاع  وهم على ما يبدو يعرفون ان شيء ما يحدث  في مكان أخر .


مع أبن عمي جهاز اتصال  لاسلكي يسمى في غزة الورور وهو مشهور جداً  بين الشبان ويستطيع أي شخص شراءه بمبلغ 300 شيكل أي حوالي  75$  ومن خلاله يستطيع الشبان معرفة أخبار البلد  لأنك من خلاله تستطيع سماع شرطة  حكومة حماس وهي تعمم  لأفرادها عبر اجهزة اللاسلكي المهام والعمليات التي  يجب  أن يقوموا بها  والأحداث التي تدور في كافة ارجاء قطاع غزة فتح أبن عمي الجهاز   وخصصه على الموجة التي من خلالها يستطيع سماع  ما تقوله شرطة الحكومة المقالة التابعة لحماس في غزة وبدأت الأخبار منه تتوارد فتفاجئنا بأن أكثر  من مكان في قطاع غزة يشهد اشتباكات عنيفة بين المواطينين  وشرطة حماس وخصوصاً  في  جنوب القطاع في رفح وخان يونس  ، قيل الكثير  في جهاز اللاسلكي عن الأحداث وعن ان هناك قتلى  في صفوف المواطنين وأن  أحد عنصر التنفيذية التابعة للحكومة المقالة  قتل عندما انقلبت  سيارته في بلدة خزاعة وغيرها من الاخبار  التي تتعلق بضرورة ان تقوم مجموعات الشرطة بانزال رايات حركة فتح عن اسطح المنازل بالقوة.


بدأت أفهم  من خلال الورور  سبب تجمهر المواطنين بترقب في المفترقات العامة   وبدأت اترقب مثلهم  ولكني واصلت المشي انا وابن عمي في الطريق الي الورشة ، وكانت الاحداث والاخبار تتوارد  على الورور  وكان حديثي وأبن عمي  يتركز على تلك الأحداث   اذ قلت له مبتسماً  بكره بيطلع ابو زهري يقول ان   عنصر الشرطة التابعة لهم مات برصاص عناصر من حركة فتح   ، هكذا عودتنا حماس في كل مرة   الكذب ثم الكذب في مثل تلك الاحداث  , وما ان قلت هذه الكلمة  توقفت بجوارنا سيارة  فخمة  وحديثة  كانت تسير خلفنا ببطأ يبدو أنهم سمعوا  تعليقي  ، ولهذا توقفوا  ، نظرت الي السيارة فوجدت فيها شخص ملتحي يحمل بندقية رشاشة  وبجواره شخصان آخران   ملتحيين أيضا ًولكني لم ارى سلاحهم   والسائق طبعاً فأدركت انهم من عناصر الشرطة السرية الحمساوية  وواصلت المسير  وقلت لأبن عمي ربما  يقوموا بدهسنا  والفرار الله أعلم  وربما يعتقلونا  لأنهم سمعوا ما قلت ولكن لم يحدث اي شيء حيث  تحركت السيارة مبتعدة عنا بعدما ابتعدنا عنها   وهي واقفة مسافة  حوالي 5 أمتار.


وصلنا الي الورشة  فوجدنها مقفلة ولكننا وجدنا  صاحبها يجلس امام الباب المقفل  وقد قام باشعال النار في كانون  صغير، سأله أبن عمي عن جهاز تلفزيونه فقال له  أنه لم يقم بتصليحه  وانه بعد غد إن شاء الله سيكون  جاهز تمام  فقررنا العودة  .


في طريق العودة  كان الناس على ما يبدو  أكثر تجمهر  من ذي قبل  يبدو أن الاحداث في رفح وخانيونس وجباليا وبيت لاهيا أخذة بالازدياد  ، والناس بدأوا كالمستنفرين  وليسوا كالمتفرجين كما شاهدتهم في طريق الذهاب   ، استوقفنا صبي  يحمل في يده  صحن مملوء بالحلويات الشرقية " بورما  " نسميها نحن لانها مبرومة برم أي ملفوفة لف  ، وقال لنا الصبي اتحلوا  بمناسبة ذكرى الانطلاقة  فأخذنا انا وابن عمي كل واحد منا قطعة  وواصلنا المسير مستديرين في شارع اخر  رأينا في نهايته سيارات شرطة الحكومة المقالة  وتسير في الشارع المتقاطع معه وكان هناك شبان كثر واطفال  ، وفجأة بدأ عناصر الشرطة التابعة لحماس اطلاق النار  بشكل عشوائي  وأخذ الناس يكبرون الله أكبر  ويرشقوهم بالحجارة   ويهربون  في كل الاتجاهات   وعناصر الشرطة يطلقون النار في كل الاتجاهات ايضاً  .


رجعنا أنا وابن عمي للخلف  وبحثنا نبحث عن اي مكان يمكننا أخذه كساتر من الرصاص فلم نجد فقلت لأبن عمي هيا  نعود بسرعة  من الطريق التي أتينا منها   ، فوافق على مضد  لأنه كان يريد مشاهدة كل الاحداث بعينة  .


عدنا في الطريق فتفاجئنا بوجود  عناصر للشرطة  حماس في الشارع الأخر واخذوا ايضاً  يطلقوا النار  فوقعنا بين فكي كماشة  لا نعرف أين نذهب وكنت اخشى من ان يعتقلونا  لأني كنت اظن انهم سيعتقلون كل من يشاهدوه بالشارع ولكنهم لم يفعلوا  بل ذهبوا من المكان كله وواصنا نحن طريق العودة .


عدنا نمشي حيث كنا  نريد قبل أن تأتي عناصر شرطة حماس وتطلق النار   ، وكان الناس عادوا ليتجمهروا بالشارع  ، وصلنا المكان الذي كانت فيه  القوة التي اطلقت النار وكان الناس غاية في الغضب ، كان رجل في الاربعين من عمره يصرخ بأعلى صوته هؤلاء جواسيس قتلة  الي بدو يروح يطخ فهي اليهود عند الخط الشرقي  يقصد حدود قطاع غزة الشرقية  ، كان غاضباً جداً يبدو أن احد أبناءه اصيب برصاصة  وكان الناس من حوله غاضبون أخذوا يصرخوا شيعة قتلة عن عناصر حماس  بصوت عالي جدا ً ويكبرون الله اكبر ، وقفنا بجوارهم حوالي دقيقتين لنعرف ما الذي حدث ، وفجأة هجموا على شاب حمساوي من سكان المنطقة وأنهالوا عليه بالضرب  ، بصعوبة جداً  استطعنا أن نخرجه من بين المواطنين الغاضبين أنا  وأبن عمي وبعض الشبان المحايدين  ، وما أن هربناه رأينا  شبان ملتحيين  يصرخون  ويشتمون فتح هاجمين على المواطنين الغاضبين  وصلوا الي حيث  المواطنين وبدأت معركة بينهم بالايدي وبالعصي وبالجنازير  ، لم يستطع أي منا التدخل لخطورة الموقف فقررت تركهم والعودة الي البيت  وما أن وصلت الي البيت سمعت اطلاق النار من جديد  فأيقنت أن شرطة حماس عادت من جديد  وعرفت بعدها من أخي انهم اعتقلوا نصف شبان المنطقة  المحسوبون على حركة فتح .


في البيت كنت ألهث قليلاً  وقلت لأهل بيتي  أنتو ما بتعرفوا شو بيصير برا برا الدنيا مقلوبة بين حماس وفتح  ، فقالت أمي  6 قتلى   في خان يونس  ، عناصر حماس قاموا بالقاء شاب من الطابق الخامس بحسب ما ذكر تلفزيون فلسطين   .


في قرارة نفسي  كنت اشعر بأن حرب أهلية حقيقة   قد بدأت في غزة وان الناس لم يعد بإمكانهم أن يطيقوا بعضهم البعض  وأن  القتلى الذين سقطوا في خان يونس وفي الشجاعية  هم مقدمة هذه الحرب  ، انا اعرف كم حجم الغضب الجماهيري من تصرفات شرطة حماس  فلا مكان  أتواجد فيه الا يتحدث الناس عن جرائم حماس وشرطتها وانهم  لا قلوب لهم وأنهم مجرمين  لا يفرقون بين طفل وشاب وشيخ وإمرأة ،   وقلت لأمي أذا تكررت هذه الاحداث مرة أخرى فأن حرب اهلية ستحدث ، أنا اتوقع أن يقوموا الفتحاويين بضرب اي حمساوي في منطقتهم كرد فعل على الاعتداء عليهم من قبل شرطة حماس وهكذا سيفعل الحمساويين   سندخل في حرب اهلية حقيقة  إن لم يتفقوا على انهاء هذه الجريمة بحق فلسطين  .


تركت أهلي وذهبت الي جهاز حاسوبي وأخذت اطالع الاخبار من وكالات الأنباء المحلية   فتفاجئت  بأن ما توقعته  عن مقتل العنصر في شرطة حماس قد  حصل فعلاً  اذ اتهم الغصين الناطق باسم وزارة الداخلية المقالة  عناصر من فتح بقتله  بالرصاص وحمل الرئيس أبو مازن مسؤلية الأحداث  حيث قال أن كل الاحادث وقعت بعد خطابه  الذي دعا فيه لفتح صفحة جديدة مع حماس  ودعها للحوار  ، فضحكت بمرارة   وقلت في عقلي كم هم كذابون المشايخ مدعين الدين  ، لقد قالوا هم بأنفسهم عبر جهاز اللاسلكي بأن عنصر حماس قتل عندما انقلبت سيارة الجيب  ، كما أن  الاحداث وقعت قبل وفي اثناء خطاب أبو مازن وأن المواطنين الذين وقعت معهم الاحداث لم يستمعوا اليه لانهم كانوا بالشارع  . ولأن ابناء فتح أضعف من أن يطلقوا النار  في الوقت الراهن ولو كان بأمكانهم ذلك لاطلقوا النار  على شرطة حماس حين قتلت منهم ثمانية في مهرجان احياء ذكرى رحيل عرفات وكانوا عندها بمئات الآلاف  ثم قررت النوم في حوالي الساعة الثانية عشر ليلاً  وعندها بدأ صوت انفجار القذائف بغزارة  وكأنه الاحتفال في رأس السنة الميلادية بطريقة خاصة  بإلقاء القذائف  , فعدت للكمبيوتر لأعرف ما الجديد وما هي قصة القذائف التي تنفجر بمعدل قذيفة في كل ثانية ، فوجدت أن شرطة حماس تحاصر منازل عائلة دغمش في حي الصبرا غرب غزة , وعائلة حلس في حي الشجاعية  شرق غزة وتطلق عليهم القذائف  وتطلق عليهم النيران من اسلحة رشاشة استمرت لغاية الساعة الرابعة فجراً  من اليوم .

هناك تعليقان (2):

  1. للاسف حتى في المدونات فرقة بين الشعب الفلسطيني

    حماس

    وفتح

    جمعنا الله على كلمة التوحيد

    ولا حول ولا قوة الا بالله

    ردحذف
  2. القطب اليساري9 يناير 2008 في 9:38 ص

    للاسف أخت توجان هذا واقع


    شخصيا لست مع تجميل الصورة القبيحة بإخفاءها , وأعتقد أن اخفاءها قبح ، لانها تعرض اصلا على شاشات التلفزيون .

    ردحذف