قبل عامان ونصف من اليوم أرسلت لي صديقة (عساها بخير ) تطلب مني الإجابة على سؤال غريب ومفاجئ سؤال يضع المرء منا أمام حقيقة ذاته وهو دعوة للتفكير في ذواتنا كان سؤالها فلسفي كبير يشبه إلي حد بعيد سؤال ديكارت الشهير هل أنا موجود ؟
وكما كان سؤال ديكارت مدعاة للسخرية من قبل السطحيين والبسطاء كان سؤالها .
وكان أيضاً كبير لكل متعمق لا يغريه الشكل بقدر ما يهمه الفحوى .
وضعت سؤالها في أحد المنتديات وأرسلت لي الرابط طالبة الجواب هناك . ببساطة قالت :
هل أنت لاشيء ؟!
صديقتي تعاني من فقدان الهوية ، هي عربية ولكنها ليست عربية هي مؤمنة تارة وملحدة تارة هي تعشق الحياة ولكنها لا تعرف ماذا تريد من الحياة وما أصعب أن نكون لا نعرف ماذا نريد من الحياة ففي هذه الحالة بلا شك سنشعر بالضياع سنشعر بالفعل أننا لاشيء في هذه الحياة .
كانت هي تبحث عن ذاتها وكنت أنا في قمة الرضا عن ذاتي ومع ذلك كان السؤال صعب بالنسبة لي ، ولأول مرة أسأل نفسي ماذا أنا أولاً بالنسبة لنفسي وبرغم الرضا لم أجد نفسي ،وكان جوابي أنا غيري .
قلت ((إن كنت أنا شيء فما هو هذا الشيء ؟ )) وقلت (( منذ زمن بعيد قررت الاستغناء عن أي نزعة أنانية في قلبي أي كانت قدر المستطاع , قررت لأسباب كثيرة أن لا أعيش لنفسي والآن وبعد هذا العمر أصبحت أنا لست أنا , أنا هو ذلك الآخر الذي منحته كل شيء , إن كان كل إنسان يعيش لنفسه , فانا عشت للآخر إذا هو نفسي)) وأضفت (( وانتم إن شعرتوا يوماً بأنكم لاشيء فكونوا كل شيء للآخرين , هكذا حدث معي كدت أن أصل إلي اللاشيئية فقررت أن أكون كل شيء للآخر إذا أنا بالنسبة لنفسي لاشيء , ولكن نفسي أصبحت الآخر , وأنا أصبحت كل شيء للآخر)) .
لم يكن جوابي هذا مجرد فلسفة جافة كما يبدو شكلاً بل كان قناعة راسخة كتبت هذه الكلمات في لحظة عاطفية قد لا تتكرر، اللحظة التي سألت نفسي فيها من أنا ؟
فكرت شرقاً وغرباًَ شمالاً وجنوبا في كل الاتجاهات فلم أجد نفسي سوى الآخر ، فأنا حقيقة لاشيء بدون الآخر ، ذلك الآخر الذي قد يكون أمي وأبي وأخواتي وشعبي ذلك الآخر الذي قد يكون وطني .
وبالفعل أنا لم افرح لنجاحي لأنني نجحت بل فرحت لأنني أدخلت الفرح بواسطة نجاحي لآخرين أحبهم ، ولم أحزن إلا لوجود آخر يحزن من أجلي ، لم أخشى يوماً على نفسي من الموت مثلاً بقدر خشيتي من أن موتي سيحزن كثيرين قد يكونوا يحبونني .
عامان ونصف مرا على هذا الكلام كان آخرهم أصعبهم ، إن من يتبنى هذا الموقف عليه أن يدفع ثمنه ، وثمنه ليس بسيط ثمنه أنك ستصبح مفرط الحساسية ، وستشعر أحيانا كثيرة بأنك تداس بالأقدام ، ببساطة لأنك تنازلت عن حقوق كثيرة لك ، تنازلت عن نفسك للآخر ، ستطلب من الآخر أن يكون مثلك وأن يتنازل هو أيضا عن حقوقه التي قد تكون أنت العقبة في طريقه . وستدخل في مرحلة اكتئاب وأكثر من الاكتئاب ، ستفقد البوصلة مرة أخرى وستبحث مرة أخرى عن الذات ، وستجلس منكفئ في الفراغ ، لأنك ستشعر أنك أصبحت لاشيء بعدما فقدت الآخر الذي هو كل شيء بالنسبة لك وستظن أن لا سبيل أمامك سوى الصبر أو الانتحار وفي الحالتين دمار ، لأن الصبر على حياة اللاشيء يعني لاشيء ولأن الانتحار يعني الفشل والانكسار.
ولكن لحظة !! هل فعلاً أنا كل شيء للآخر ؟! لو كنت كذلك لما كان للأخر حقوق غيري ، ولما شعرت بأنني أداس بالأقدام ولو كنت أنا أعطيت كل شيء للآخر وعشت له فلما حزنت واكتأبت لأن هذا الآخر خرج عن طوعي يرى غير ما أنا أراه يرغب في حياة غير التي أنا ارسمها ، إن هذه هي الأنانية بعينها الديكتاتورية بأقبح صورها هذا حب لتملك .
إن العطاء لا مقابل له ، ولو فعلا نحن نعطي كل ما نملك للآخرين فهذا لا يعطينا الحق في أن نمتلك الآخرين .
إن الإنسان لا يستطيع الحياة بمفرده ، لنفسه فقط مهما كان ، وما عطاءنا للآخر إلا لأجل أنفسنا .
إن للأنانية أشكال غير مرئية ، ولا مجال أن يعيش إنسان بدونها بشكل مطلق .
إن للحديث بقية ...
يا افراط يا تفريط اين الوسطية والاعتدال
ردحذفلا يوجد انسان يعيش للكل ولا انسان يعيش لنسفه انما يوجد الاحساسين في انسان واحد فقط تكون نسبة اكبر من نسبة وهذه النسبة تتدحرج حسب الظروف النفسية لذلك الانسان
الطبيعي أن يعيش الانسان يعرف ما له وماعليه يؤدي ماعليه ويأخذ ما له بكل بساطة.