الجمعة، 25 فبراير 2011

الحب لا يقف على الضوء الأحمر

منذ أكثر ثمان أعوام  وأنا احتفظ ببقايا دفتر "دفتر كشكول  " كتبت فيه  عن غزة  وتاريخها  ، ومارست فيه هوياتي بحل مسائل الرياضيات والهندسة  ، وكتبت فيه اسماء أغاني أم كلثوم و كتاب هذه الاغاني والملحنين  ، فيه  رسالة من نزار قباني الي سميح القاسم  عثرت عليها بمجلة قديمة  كتبها نزار في الايام الأولى لانتفاضة الحجر  ، نقلت  فيه أيضا قصيدتين لنزار قباني كنت اعتبرهم من اجمل ما قرأت ، فيهما يعبر نزار قباني بكلمات جميلة  رائعة عن حال وواقع الشعوب العربية  كان تعبيراً دقيقاً  عن  هذا الواقع  قبل شهرين على الأقل أما الآن فواقع العرب اختلف


فلم نعد كما كنا  لقد خرجنا من القن المختوم بالشمع الاحمر  ، وصرخنا في وجه السلطان وزوجنه وصهره  اسقط ارحل نحن شعب يريد الحياة هنا  ، ولم نعد اليوم زجاجاً فوق بعضه يتكسر وبتنا نصرخ في كل ارجاء العالم بلغتنا الفصحى  أنا عدنان ومروان وسحبان وسنجادل في الفقه والنحو وفي الصرف حتى يستقيم مع الحياة  ولن نفكر فقط في الذي اغتصب شمس الوطن بل سنخلعه ونحاكمه  ، وسنرفع رؤوسنا بين الأمم وبجواز عربي سنصدر هبتنا لشعوب كما كنا  مازالت .


سنفاخر في بطولتنا في الليدو  لـ  سوزان وجانيت وكوليت  فلم يعد يهمنا أن يعرفن قصة الزبير وعنتر  ، وقد عرفن فعلاً بقصة محمد بوعزيزي وسالي زهران  .


وها نحن نعزز هويتنا ونحدد اقامتنا   ومبارك لكم ولنا مولد العرب 


 


 


مع كل الاحترام للشاعر الكبير نزار قباني   ليتك عشت لترى  أننا لم نعد مشنوقين الي يوم القيامة وها قد خرجنا وتفجر البركان .


=======================


قصيد نزار قباني ( الحب لا يقف على الضوء الأحمر )


 


لا تفكر أبداً.. فالضوء أحمر..


لا تكلـّم أحداً.. فالضوء أحمر..


لا تجادل في نصوص الفقه..


أو في النحو..


أو في الصرف..


أو في الشعر..


أو في النثر..


إنّ العقل ملعون، ومكروه، ومنكر…


-2-


لا تغادر..


قنّك المختوم بالشمع.. فإنّ الضوء أحمر


لا تحبّ امرأة أو فأرةً..


إنّ ضوء الحب أحمر..


لا تضاجع حائطاً.. أو حجراً.. أو مقعداً..


إن ضوء الجنس أحمر..


إبق سرِّياً..


ولا تكشف قراراتك حتى لذبابة..


إبق أمياً..


ولا تدخل شريكاً في الزنى أو في الكتابة..


فالزنى في عصرنا..


أهون من جرم الكتابة..


-3-


لا تفكّر بعصافير الوطن..


وبأشجار.. وبأنهار.. وبأخبار الوطن


لا تفكّر بالذين اغتصبوا شمس الوطن..


إنّ سيف القمع يأتيك صباحاً


في عناوين الجريدة..


وتفاعيل القصيدة..


وبقايا قهوتك


ولا تنم بين ذراعي زوجتك…


إنّ زوّارك عند الفجر موجودون تحت الكنبة..


لا تطالع كتباً في النقد أو في الفلسفة


إنّ زوّارك عند الفجر..


مزروعون مثل السوس في كل رفوف المكتبة..


إبق من رجليك مشنوقاً إلى يوم القيامة..


إبق من صوتك مشنوقاً إلى يوم القيامة..


إبق من عقلك.. مشنوقاً إلى يوم القيامة..


إبق في البرميل.. حتى لا ترى


وجه هذي الأمّة المغتصبة..


-4-


أنت لو حاولت أن تذهب للسلطان..


أو زوجته..


أو صهره..


أو كلبه المسؤول عن أمن البلاد..


والذي يأكل أسماكاً.. وتفـّاحاً.. وأطفالاً..


كما يأكل من لحم العباد..


لوجدت الضوء أحمر..


-5-


أنت لو حاولت أن تقرأ يوماً


نشرة الطقس.. وأسماء الوفيات.. وأخبار الجرائم..


لوجدت الضوء أحمر..


أنت لو حاولت أن تقرأ يوماً


صفحة الأبراج..


كي تعرف ما حظّك قبل النفط..


أو حظّك بعد النفط..


أو تعرف ما رقمك ما بين طوابير البهائم..


لوجدت الضوء أحمر..


-6-


أنت لو حاولت..


أن تبحث عن بيتٍ من الكرتون يأويك..


أو سيدةٍ -من بقايا الحرب- ترضى أن تسلـّيك..


وعن نهدين معطوبين..


أو ثلاجةٍ مستعملة..


لوجدت الضوء أحمر..


أنت لو حاولت..


أن تسأل أستاذك في الصف.. لماذا؟


يتسلّى عرب اليوم بأخبار الهزائم؟


ولماذا عرب اليوم زجاجٌ فوق بعض يتكسر؟


لوجدت الضوء أحمر..


-7-


لا تسافر بجوازٍ عربيّ..


لا تسافر مرة ً أخرى لأوروبا


فأوروبا -كما تعلم- ضاقت بجميع السفهاء..


أيها المنبوذ..


والمشبوه..


والمطرود من كل الخرائط


أيها الديك الطعين الكبرياء..


أيها المقتول من غير قاتل..


أيها المذبوح من غير دماء..


لا تسافر لبلاد الله..


إن الله لا يرضى لقاء الجبناء..


-8-


لا تسافر بجواز عربي..


وانتظر كالجرذ في كل المطارات،


فإن الضوء أحمر..


لا تقل باللغة الفصحى..


أنا مروان..أو عدنان..أو سحبان


للبائعة الشقراء في (هارودز)


إنّ الإسم لا يعني لها شيئاً..


وتاريخك -يا مولاي- تاريخ ٌ مزور..


-9-


لا تفاخر ببطولاتك في (الليدو)


فسوزان..


وجانيت..


وكوليت..


وآلاف الفرنسيات.. لم يقرأن يوماً


قصة الزير وعنتر..


يا صديقي:أنت تبدو مضحكاً في ليل باريس..


فعد فوراً إلى الفندق..


إن الصوء أحمر..


-10-


لا تسافر..


بجوازٍ عربيٍّ بين أحياء العرب!!


فهم من أجل قرشٍ يقتلونك..


وهم -حين يجوعون مساءً- يأكلونك


لا تكن ضيفاً على حاتم طيّ


فلا تخدعك آلاف الجواري..


وصناديق الذهب..


يا صديقي:لا تسر وحدك ليلاً


بين أنياب العرب..


أنت في بيتك محدود الإقامة..


أنت في قومك مجهول النسب..


يا صديقي:رحم الله العرب!!.


 


 

الخميس، 24 فبراير 2011

وقفة مع الذات

قبل عامان ونصف من اليوم أرسلت لي صديقة  (عساها بخير )  تطلب مني الإجابة على سؤال غريب ومفاجئ   سؤال يضع المرء  منا أمام حقيقة ذاته وهو دعوة  للتفكير في ذواتنا كان سؤالها فلسفي كبير يشبه إلي حد بعيد سؤال ديكارت الشهير هل أنا موجود ؟


وكما  كان سؤال ديكارت  مدعاة للسخرية  من قبل السطحيين والبسطاء كان سؤالها  .


وكان أيضاً كبير  لكل متعمق لا يغريه الشكل بقدر ما يهمه الفحوى .


وضعت سؤالها في أحد المنتديات وأرسلت لي الرابط طالبة الجواب هناك . ببساطة قالت :


هل أنت لاشيء  ؟!


 صديقتي تعاني من فقدان الهوية ، هي عربية ولكنها ليست عربية  هي مؤمنة تارة  وملحدة تارة  هي تعشق الحياة  ولكنها لا تعرف ماذا تريد من الحياة  وما أصعب أن نكون لا نعرف  ماذا نريد من  الحياة  ففي هذه الحالة بلا شك سنشعر بالضياع   سنشعر بالفعل أننا لاشيء في هذه الحياة . 


كانت هي تبحث عن ذاتها وكنت أنا في قمة  الرضا عن ذاتي  ومع ذلك كان السؤال صعب بالنسبة لي  ، ولأول مرة  أسأل نفسي ماذا أنا  أولاً بالنسبة لنفسي  وبرغم الرضا  لم أجد نفسي ،وكان جوابي أنا غيري .


 قلت ((إن كنت أنا شيء فما هو هذا الشيء ؟ ))  وقلت (( منذ زمن بعيد قررت الاستغناء عن أي نزعة أنانية في قلبي أي كانت قدر المستطاع , قررت لأسباب كثيرة أن لا أعيش لنفسي والآن وبعد هذا العمر أصبحت أنا لست أنا , أنا هو ذلك الآخر الذي منحته كل شيء , إن كان كل إنسان يعيش لنفسه , فانا عشت للآخر إذا هو نفسي))  وأضفت (( وانتم إن شعرتوا يوماً بأنكم لاشيء فكونوا كل شيء للآخرين , هكذا حدث معي كدت أن أصل إلي اللاشيئية فقررت أن أكون كل شيء للآخر إذا أنا بالنسبة لنفسي لاشيء , ولكن نفسي أصبحت الآخر , وأنا أصبحت كل شيء للآخر)) .


لم يكن جوابي هذا مجرد فلسفة  جافة كما يبدو شكلاً  بل كان قناعة  راسخة كتبت هذه  الكلمات   في لحظة عاطفية قد لا تتكرر، اللحظة التي سألت  نفسي فيها من أنا ؟


فكرت شرقاً وغرباًَ شمالاً وجنوبا في كل الاتجاهات  فلم أجد نفسي  سوى الآخر  ، فأنا حقيقة لاشيء بدون الآخر  ، ذلك الآخر  الذي قد يكون أمي وأبي   وأخواتي  وشعبي  ذلك الآخر الذي قد يكون وطني  .


وبالفعل  أنا لم افرح لنجاحي لأنني نجحت بل فرحت لأنني أدخلت الفرح  بواسطة نجاحي لآخرين أحبهم  ، ولم أحزن إلا لوجود آخر يحزن من أجلي ، لم أخشى يوماً على نفسي من الموت مثلاً بقدر خشيتي  من أن موتي سيحزن كثيرين  قد يكونوا يحبونني .


 عامان ونصف مرا على هذا الكلام  كان آخرهم أصعبهم   ، إن من يتبنى هذا الموقف عليه أن يدفع ثمنه ، وثمنه ليس بسيط  ثمنه أنك ستصبح مفرط الحساسية  ، وستشعر أحيانا كثيرة بأنك تداس بالأقدام ، ببساطة لأنك تنازلت عن حقوق كثيرة لك  ، تنازلت عن نفسك للآخر  ، ستطلب من الآخر أن يكون مثلك  وأن يتنازل هو أيضا  عن حقوقه التي قد تكون أنت العقبة في طريقه . وستدخل في مرحلة اكتئاب وأكثر من الاكتئاب  ، ستفقد البوصلة مرة أخرى  وستبحث مرة أخرى عن الذات  ، وستجلس منكفئ  في الفراغ ، لأنك ستشعر أنك أصبحت لاشيء  بعدما فقدت الآخر الذي هو كل شيء بالنسبة لك  وستظن أن لا سبيل أمامك سوى الصبر أو الانتحار وفي الحالتين دمار ، لأن الصبر على حياة اللاشيء يعني لاشيء ولأن الانتحار يعني الفشل والانكسار.


 ولكن لحظة !!  هل فعلاً أنا  كل شيء للآخر ؟!  لو كنت كذلك  لما كان للأخر حقوق غيري  ، ولما شعرت بأنني أداس بالأقدام  ولو كنت أنا أعطيت كل شيء للآخر وعشت له فلما حزنت واكتأبت لأن هذا الآخر خرج عن طوعي  يرى غير ما أنا أراه  يرغب في حياة غير التي  أنا ارسمها ، إن هذه هي الأنانية بعينها  الديكتاتورية بأقبح صورها  هذا حب لتملك .


إن العطاء لا مقابل له  ، ولو فعلا نحن نعطي كل ما نملك للآخرين فهذا لا يعطينا الحق في  أن نمتلك الآخرين .


إن الإنسان لا يستطيع  الحياة بمفرده  ، لنفسه فقط  مهما كان ، وما عطاءنا للآخر إلا لأجل أنفسنا .


إن للأنانية أشكال غير مرئية  ، ولا مجال أن يعيش إنسان بدونها  بشكل مطلق .


 إن للحديث بقية ...